top of page

جيمس

بيرسيفال ايفريت
مراجعة: فاطمة الحارثي


رواية
٢٠٢٤
٣٠٣ صفحة
دبل داي، نيويورك


لا يوجد كتاب يعبر عن جوهر الهوية الأمريكية مثل "مغامرات هاكلبري فين" لمارك توين، فرواية القرن التاسع عشر هذه تبرز الجانب الإنساني في الثقة والتصادق بين الأفراد بغض النظر عن جنسهم العرقي. مؤاخاة الفتى ذو الأربعة عشر ربيعًا لجيم بنيت مصادفة، فكلاهما هربا من جحيم لا يطاق: جيم، جحيم العبودية، وهاك من والده العنيف ثم مس واطسون التي أملت عليه قوانين التمدن، ولو أنه لا يتوقع من القارئ أن يصبر على الأحداث البطيئة لرواية توين حتى يفهم خلفية مجريات الأحداث في رواية بيرسيفال ايفريت "جيمس،" إلا أنه يجدر بنا التبصر بالدعامة التي بنى عليها ايفريت روايته والتي حصدت هذا العام أكبر جائزتين أدبيتين في الولايات المتحدة الأمريكية–جائزة الكتاب الوطنية، وجائزة البوليتزر.

مروية بصيغة الضمير المتكلم، يعطي ايفريت جيم شيئين أساسيين حرما منهما العبيد في الولايات المتحدة في تلك الحقبة الزمنية وما قبلها: حرية التصرف والكتابة. يتخذ جيم طرقًا مختلفة للتخفي ويساعده هاك، الفتى ذو الأربعة عشر ربيعا، في بعضها. فتارة يكون أسفل القارب بينما يجدف هاك في نهر المسيسيبي، وتارة يصبغ وجهه وينضم لجماعة سيرك متنقلة أساس عروضها تقليد العبيد وإضحاك الجمهور، وتارة يتفق مع هاك و صديق أبيض بأن يمثل أنه عبد له، وهو في كل هذه الحالات لا يتوقف عن الحركة وهدفه مواصلة المسير حتى يحصل على الدعم كي يحرر زوجته وابنته.

بإعطاء جيم حرية التصرف، بيرسيفال يعطي الصوت لشخصية مهمشة لم تحظ بالحفاوة التي نالها الشخص الأبيض، وخلال هذا الصوت تتضح لنا خوالج نفس جيم وثقافته الواسعة المغيبة في رواية توين. جيم العبد في نظر توين، هو في الحقيقة متعلم، لكنه يستخدم اللهجة التي يتوقعها أسياده منه، أما مع أسرته وأصدقائه فلا تختلف طريقة كلامه عن لهجة الأسياد. يملك جيم ورقة وقلمًا لأول مرة في حياته ويكتب:
"ينادونني جيم، ولم أختر بعد اسمًا لنفسي. بحسب التعاليم الدينية لآسريّ البيض فأنا ضحية لعنة حام. البيض الذين يظنون أنفسهم أسيادي ليس باستطاعتهم الاعتراف بقسوتهم وجشعهم، ولذا فإن عليهم الاستماع للتبرير الديني للراهب الدومينيكي الكاذب. لكن، لن أسمح لهذه الحالة أن تحدد هويتي. لن أدع نفسي وعقلي يكونا ضحية الخوف والغضب…"

كيف يتصرف جيم عندما يشك أحد رواد السيرك أنه عبد حقيقي، وأن الطلاء على وجهه ويديه يخفي تحته بشرة داكنة حقيقية؟ كيف يتصرف عندما يمسك الرجل بشعره المجعد، ويقول أنه من المستحيل أن يكون شعرًا مستعارًا؟ ماذا يقول لجون لوك عندما يراه في منامه، وما هي الأحداث التي تجعله في نهاية الرواية، عندما يصل مع أسرته للشمال ويوقفهم الشرطي سائلًا:
"هل منكم من اسمه جيم الزنجي؟"
يشير جيم بإصبعه على من معه ويقول: "سادي، ليزي، موريس، وباك"
ثم يسأله الشرطي:
"ومن أنت؟
"أنا جيمس"
"جيمس ماذا؟؛
"فقط جيمس."

إعادة نظر بيرسيفال ايفريت لرواية مارك توين لا يختلف كثيرًا عن موقف جين ريس، الكاتبة البريطانية من أصل دومينيكي، عندما قالت عن بيرثا ماسون في رواية "جين أير" لتشارلوت برونتي: "أريد أن أعطيها صوتًا." كتبت ريس إثر ذلك روايتها "البحر الواسع السرجساسي" والتي أعادت فيها سرد قصة بيرثا، أو كما اصطلح المفكرون على إعطائها مسمى "المرأة المجنونة في العلية." فلو أن ريس اتخذت من منظور ما بعد الاستعمار إطارًا لإعادة سرد شخصية مهمشة، فلعل يقظة الاحتواء الاجتماعي وحركة "حياة السود مهمة" التي شهدت حراكا اجتماعيا في أمريكا على عقب أحداث جورج فلويد في ٢٠٢٠ ساهمت في دفع إيفريت لإعطاء صوت لجيم. كلا الروايتين أعطت شخصياتها الرئيسية اسما جديدًا وحياة أكثر إثارة من مجرد كونهم أفرادًا مهمشين، والسؤال الذي يتبادر لذهني هو، هل نجاح العمل الأدبي المبني على عمل آخر هو انتصار غير مباشر للنص الأساسي؟


© All Rights Reserved. Sard Adabi Publishing House 2025. جميع حقوق النسخ محفوظة لدار سرد أدبي للنشر©

bottom of page