top of page

ذهول ورعدة

أمِيلي نوتومب
ترجمة: أبو بكر العيادي
مراجعة: ليلى عبدالله


رواية
١١٤ صفحة
الطبعة الأولى بالترجمة العربية: ٢٠١٦
دار مسكيلياني للنشر والتوزيع، تونس

يُصنَّف كتاب أميلي نوتومب “ذهول ورعدة” كرواية، ولكن يبدو لي، كما بدا كتابها الآخر "بيوغرافيا الجوع،" أنه يحمل الكثير من التجارب الحقيقية المسرودة بشكل روائي، حيث أضافت إلى حقيقة مشاعرها شيئًا من جماليات الأدب. لقد عاشت الكاتبة أميلي حياة فريدة جعلتها متعددة الثقافات؛ فهي تحمل الجنسية البلجيكية، لكنها تنقّلت في طفولتها وحياتها بين عدة دول. ورأت في اليابان ما لم تره في أي دولة أخرى، حتى إنها ادّعت أنها وُلدت هناك، بينما يُقال إنها عاشت في اليابان من سن الثانية حتى الخامسة. لعلها أحسّت بجذر تكوّن من أجلها في اليابان، فعادت إليه.

تسرد أميلي في كتابها حكاية فتاة أوروبية بدأت للتوّ عملها في إحدى الشركات اليابانية. إذا لم يكن القارئ يابانيًا، فسيبدأ بتقليب الصفحات بفضول لاكتشاف آليات بيئة العمل في طوكيو، وقد يتفاجأ بأمور، سواء أكانت صغيرة أم كبيرة. لكن الشاهد ولبّ الكتاب هو نظرة أميلي؛ فهي غريبة عن هذه الثقافة، لكنها قريبة منها في الوقت ذاته، تريد أن ترينا ما لا نعلمه وما قد نستغربه، بينما هي لا تستغرب أي شيء مهما بدا غريبًا، بل تتقبله برحابة حتى تراه الشكل الطبيعي للحياة. ومن هنا، تخبر القارئ أن تلك هي بيئتها، وأن هذه الأرض الغريبة عنها، برغم الجميع، هي أرضها.

تبدأ الموظفة الشابة أيامها، وتشرح لنا الروتين ثم المصاعب تدريجيًا، وترينا الشخصيات بوصف دقيق حتى نكاد نرى أميلي بملامحها دخيلةً بينهم. وتقصّ أميلي الديناميكية المحددة للثقافة اليابانية بين الرئيس والمرؤوس، والخضوع المتوقع من الموظف المرؤوس، والتفاني اللازم لكي تسير تلك الأمة إلى الأمام دومًا، بعد أن تعثّرت أمام العالم حينما أراها وجهه الشرس بإطلاق تلك القنبلة. منذ ذلك الحين، انطلقت الأمة تسير لإصلاح نفسها بنفسها، وتوقعت المثالية من كل أبنائها، حيث لا خزي في انتحار المرء إن رأى في نفسه ضعفًا وفشلًا.

تمر أميلي بمواقف متتابعة تقود مسيرتها إلى حيث لا يتوقعه القارئ، ومن خلال تلك المسيرة تسرد أهم علاقة في الكتاب، بل هي محوره، وهي علاقتها بفوبوكي، مشرفتها المباشرة. تسلك الموظفة أميلي طريق الانتكاس الوظيفي، فخلال سنة واحدة، تتدرج في مناصبها حتى تنتهي بأسوأ وظيفة ممكنة في تلك الشركة. ترى فوبوكي أن المكان المناسب لأميلي في هذه الشركة هو أن لا تكون موجودة فيها أساسًا ولا في اليابان، أو أن تكون غير مسموعة وغير مرئية. وعندما تشكو أميلي لها المصاعب التي تعانيها في العمل، تردّ عليها فوبوكي بقولها أن «مثل نوعها غير موجود في اليابان».
ما يثير اهتمام القارئ أكثر هو ملاحظة أفكار أميلي الداخلية عن فوبوكي؛ إذ تتسلى بعلاقتها مع رئيستها حتى في التوبيخ. تقول: «هي تظن أن ذلك يضايقني، والحال أني، بالعكس، كنت سعيدة بأن تتاح لي مثل تلك الفرص المتعددة كي أتملّى جمالها الغاضب في هذا الخدر الخاص بنا».
وهذا ما يجعلنا نظن أنها تفهمها تمامًا، فهي تتقبل التوبيخ وترى الجمال فيه، لأنها تدرك كل التفاصيل الدقيقة للثقافة التي نشأت منها فوبوكي.
في هذه العلاقة نرى أحد أوجه تعقيدات عمل المرأة مع المرأة تحت الضغط، كما نرى شخصية فوبوكي كاستعارة لليابان ككل؛ كم هي قادرة تلك الأرض الخلابة على أن تكون بهذه القسوة، بل إنها تحتاجها وتظنها قوة لا تتجزأ عن ثقافتها.

"ذهول ورعدة" كتاب مذهل في قدرته على طرح عدة مواضيع، مثل الثقافة والعمل، ومعنى كل منهما من خلال جنس المرء وانتمائه، وذلك في ما يقارب مئة صفحة فقط! كما تتميز أميلي برشاقة وخفة في الأسلوب، حيث تترك قارئها مبتسمًا برغم ثقل المواضيع.



أميلي نوتومب كاتبة بلجيكية تكتب باللغة الفرنسية. نشرت روايتها الأولى عام 1992. تنقّلت في طفولتها بين عدة دول، وحين استقرّت في وطنها بلجيكا، شعرت بالغربة والحنين إلى اليابان، فعادت إليها وعملت في إحدى الشركات في طوكيو. كتبت عن تجربتها في هذا الكتاب. فازت هذه الرواية بالجائزة الكبرى للأكاديمية الفرنسية عام 1999.




ليلى عبدالله من الرياض، السعودية. هاوية للفنون منها القراءة والكتابة والترجمة. يمكن متابعة حسابها على منصة إكس @Ljjmov

© All Rights Reserved. Sard Adabi Publishing House 2025. جميع حقوق النسخ محفوظة لدار سرد أدبي للنشر©

bottom of page