مقروء
فرح العروي
لماذا أكتب؟
أنا أكتبُ لكي أكون مقروءًا. لقد فشلتُ في أن أكون مرئيًا أو مسموعًا. فلماذا لا أجرب أن أكتبني؟ لم أحاول يومًا أن أجذب إليَّ انتباه أحد، أو أطالب بأي حق. لكني كنت أتلهف كل لحظةٍ في صمتٍ مسعورٍ أن يلاحظني. صورةً أو صوتًا أو حتى كلمة. المهم أن يلحظني. أن يعيَّ بوجودي. حتى أستطيع أن أحسُّ أخيرًا برئتيّ تتنفسان الهواء الحيَّ على هذا الكوكب، وأصدّق بأني موجود. لطالما أحسستُ بأني كذبة، كائن غير مؤكد الوجود. مخلوق لا ينتمي إلى أي عالم. سائل شفاف لا يثبت على أي شكل ويتبخر في الجو سريعًا... لكنه يقرأ كل الكتب ولا يقرأني، يقلب الصفحات ويتجاوزني. أنا لم أكن لأمانع إذا قلّب بقوةٍ صفحاتي، شخمط فوق سطوري، خنق الكلمات، أو مزّق أوراقي. لم أكن لأمانع أيَّ شيءٍ فقط إذا ما لاحظ وجودي. هذا التجاهل التام يقتلني، ويتلذذ في تعذيبي ببطء. إذا كان مصدر وجودي ينكره، وسبب حياتي يرفضها، وأكثر من أتطلع إليه لا يكاد ينظر إلي…فعلامَ أعاني العيش؟ أم هو يريدني.. أن أنتزع دمه الذي يغلي في عروقي.. ملطخًا جبينه بضربة أصابعي الخمسة؟ لكي يصدق أنّي
أنتمي،
إليه.
رهن نبضك
أنتظرك، بتوقٍ ورغبة… في داخل رأسي ساعة مصغرة. تنتفخُ وتنتفخُ حتى لا تعود تسعُ جمجمتي. تنخرُ فيّ. تِك، تَك، تِك، تَك، تِك، تَك…… هل سأكونُ لك؟
لقد مضت ساعةٌ كاملةٌ حتى الآن، ولم تظهر بعد.. ساعةٌ كاملة من المفترض أنها تتكون من ستين دقيقة، كل دقيقةٍ منها تسير على أقل من مهلها نحو ستين ثانية أخرى، وكل ثانيةٍ تتهاوى ببطءٍ شديدٍ إلى أن تتكسّر إلى ستين جزءٍ صغيرة، ثم ستين أخرى أصغر، ثم أصغر، وأصغر… ولا نصل إلى الرقم صفر أبدًا… وهكذا يتسرب الوقت أمامي ولا أستطيع أن أمسك بين يديَّ منه أي شيءٍ يذكر. لكني منذ سمعتُ وقع الخطوات يدبُّ على ساحة قلبي أخيرًا، حتى تجمّع فتات الثواني مرة واحدة، وركضت الثوانِي نحو الدقائق، وسابقت الدقائق بعضها البعض، وطارت الساعاتُ بأسرع من رمش العين. ولم يتوقف صدري عن النبض تلك الليلة بكاملها… تيك تاك تيك تاك… يقول لي ساخرًا: الوقت رهن قلبك!
فرح العروي هيَّ كاتبة ناشئة ومتدربة في المجال الصحي، مهتمة بكتابة أدب الطفل والرواية. شاركت في العديد من المسابقات وتحصلت على المرتبة الأولى في مسابقة أدب الطفل بالمركز السوسيوثقافي بتطوان عام ٢٠٢٠م عن قصة (رسائل الدهشة). يمكن متابعة حسابها على منصة إكس @ SomewordsX
وقناة التلجرام: https://t.me/SomewordsX