top of page

عرض جانبي

حسناء ابراهيم


إنها المرة السادسة التي تترددين فيها على إحدى الصيدليات هذا الأسبوع؛ باستثناء أمس الجمعة، إذ لم تقوي حينها على النهوض من سريرك طوال اليوم.
هي الأبعد من بين الخمس الأخريات، والأكبر أيضًا.
تسائلين نفسكِ عن سر تلك العلاقة العكسية، لمَ تبدو الصيدليات أكبر وأكثر وفرة كلما بعدت عن البيت؟
هذه على وجه التحديد تبدو كمأدبة من شأنها تعويض جوع الأمس؛ الأرفف على مد البصر، وعلب الدواء، الكثير الكثير من علب الدواء، مصفوفة بترتيب يسلب الأنفاس خلف حاجز زجاجي ينافسه ذوي المعاطف البيض في سلطته عليها.
يسائلكِ معطفٌ أبيض إن كان بإمكانه مساعدتك، تجيبينه نفيًا بودية تُخفي سخطًا سحيقًا، تصارعين رغبة حادة في الصراخ في وجهه "نعم، أريدك أن تغادر المكان، اتركني وحدي هنا."
تكنين بغضًا مرضيًّا لمرتدي تلك المعاطف، إذ لا ترين لوجودهم أية أهمية، هم ليسوا حتى أطباء، تودين نزع تلك المعاطف من عليهم وإجبارهم على ارتداء زي رجال الأمن، لأن هذا ما هم عليه فعلًا، حراس.
تتفحصين الأرفف مجددًا، عيناكِ ترقصان ببطء بين رفٍ وآخر، تبدو الأدوية بمختلف أصنافها شهيةً للغاية، تفكرين: حري بهذه الأرفف أن تكون كأغصان شجر في غابةٍ ما، متاحة لمن أراد قطفها، ليست ملكًا أو حصرًا لأحد، لا يتطلب الظفر بها تبريرًا أو ثمنًا.
يرمقكِ المعطف الأبيض بنظرة ريبة، فتتجهين لقسم مستحضرات العناية بالبشرة، تتظاهرين بتفحص المنتجات بينما تُعدين ذهنيًا طبق اليوم.
حسنًا، للمقبلات، ستتناولين -هممم- عشر حبات؟ لا، اثنتا عشرة حبة من مسكن الألم، المورفين تحديدًا، تسترقين النظر للرفوف متسائلة على أي رفٍ قد تكون يا ترى؟
تنتابك دغدغة في بطنكِ لمجرد التفكير بالطبق الرئيسي، تزدردين ريقكِ بغبطة، مميعات الدم، الكثير منها، لكنك لا ترغبين بتناول الحلويات اليوم، ستكتفين بشفرةٍ حادة.
يخبركِ المعطف الأبيض بالعرض الساري على منتجات العناية، يشيد بمنتج يحتوي على الرتينول على وجه الخصوص، يؤكد فعاليته على تجديد خلايا البشرة ومحاربة الشيخوخة وهو يمعن النظر في وجهك، وتتساءلين ما إن كانت هالات عينيك تبدو أكثر بروزًا في تلك اللحظة، وإن ساهمت أضواء الفلورسنت في ذلك، وما إن كرهتِ في حياتك شخصًا بقدر كرهك لهذا الصيدلي.


حسناء إبراهيم هي كاتبة من البحرين.

© All Rights Reserved. Sard Adabi Publishing House 2025. جميع حقوق النسخ محفوظة لدار سرد أدبي للنشر©

bottom of page