top of page

ليلٌ غائمٌ جزئيًّا

سحر علي النعيم
مراجعة: سمر الحميد

رواية
١٣٣ صفحة
الطبعة الأولى 2024
دار ارتقاء للنشر الدولي والتوزيع، مصر

تعد القاصة والصحفية اليمنية سحر علي النعيم، من المواهب الشابة الصاعدة في عالم الأدب، تميل كتاباتها إلى التصنيف النفسيّ، كما تتميز بأسلوب جذاب يحمل الكثير من الغموض الذي ينقشع ضبابيته للقارئ في السطور الأخيرة، مسبباً لعقله توليفةً من الدهشة والمتعة في آنٍ واحد، وهذا ما حدث في رواية "ليلٌ غائمٌ جزئيًّا"، التي سردت أحداثها على لسان الشخصية الرئيسية في الرواية وهي الأخصائية النفسية "ماريا".
"الموت هو ذلك الحزن الذي لا قاع له يأتي بغتةً قابضاً لروحِ أحدِ أحبائنا، لتتغير بعدها كل معالم الحياة، إن نجونا ولم نصبحُ جثةً متحركةً على قيدها فسنحيا حينها بانتصاراتٍ مثقوبةٍ، وسعادةٍ مبتورةٍ، بنصفِ روحٍ مشوهةٍ، وبنزعةِ توقٍ تبقى عالقةً فينا إلى الأبد."
تبدأ أحداث الرواية بكتابة "ماريا" لمذكراتها والتي أشارت لها بجملة "توثيق هزائمي" موضحةً بذلك خلو حياتها من أشخاصٍ مقربين تهديهم ثقتها، كما يتضح أنها تعيش أياماً روتينية رمادية تخلو من أي ألوانٍ زاهية، إلى أن يدخل إلى حياتها "ليل"، ذلك السقيم الذي فقد توأمه "غيث" بحادثٍ مأساويّ تسبب له باضطرابات نفسية معقدة، أودت به إلى تصرفات لا تشبهه وكأنه استُبدل، حيث بدى لوالديه شاباً عَتِهاً يعاني من انفصامٍ روحيّ استوجب تدخلاً طبيّاً؛ علّه يكون طوق النجاة لعقله الذي أوشك على الجنون.
"انتبه لعقلك، إياك والإذعان لهم؛ فقد يصيبونك بدُجُنّة، فيبتلعك حينئذٍ خسوفٌ كليّ."
جسدت الكاتبة في بداية الأحداث ذلك الرفض والنفور الذي دائماً ما يكون من نصيب الأخصائيين أو الأطباء النفسيين؛ فالشخص الذي يعاني من خطبٍ نفسيّ دون الجسديّ لن يقبل أن يُقال عنه مريض!، حيث واجهت "ماريا" صعوبات في محاولة إقناع "ليل" ليتحدث عن مكنونات صدره كخطوةٍ أولى للعلاج، إلا أنه رفض فعل ذلك بشكل غير مباشر من خلال مراوغةٍ بدت لها كـ جدارٍ يحمي به سرّاً أهلكه من الداخل، إلى أن تأتي تلك اللحظة وتتمكن فيها "ماريا" من زرع أول بذرةٍ للثقةِ داخل قلبه، فيبدأ حينها الانفتاح لها بتروٍّ وعلى مهل، لتتوالى الأحداث الغريبة بينهما بعد ذلك كاشفةً عن أسرارٍ سوداوية.
"ماذا إن كان ما لا نقوله هو قشة النجاة؟!"
تعاني "ماريا" من مشاعرها التي بدأت تنساق خلف الهالة الدامسة التي تحيط "ليل"؛ فتجد ذاتها تتخبط بين واجبها كـ أخصائية نفسية مسؤولة عن حالةٍ مرضية، وبين مشاعرها التي تتأجج بهذا الوهج الغريب للمرة الأولى نحو أحدهم!.
"أتساءل عن تلك الطمأنينة التي كانت في جيبي، والتي لم تكن سوى قطعة صغيرة من حجر الزَّبَرْجَد زيتونيةِ اللون، مخدوشة من أحد جوانبها..!"
وعلى الرغم من أن الرواية تبدو للقارئ في الوهلة الأولى أنها تدور حول "ماريا" و"ليل" فقط إلا أن الشخصيات الثانوية والتي ذكرت مراتٍ قليلة كان لها ذلك التأثير الكبير والمدمر أحياناً على حياة الشخصيتين الرئيسيتين.
" لكن ماذا إن علمت عن زيفي هل سيبقى هذا السحر موجوداً بذات بريقه الحاني؟!"
يحكي عنوان الرواية "ليلٌ غائمٌ جزئيًّا" والذي كان اختياراً ذكيّاً عن الحدث الأساسي للقصة بطريقةٍ غامضة تثير فضول القارئ، كما صُمم على الغلاف صورة لشابٍ بدا وكأنه خُلق من زجاجٍ مهشمٍ ينقسم فيها نصف وجهه إلى جزأين متطابقين إشارةً إلى التوأم "ليل" و"غيث"، وهنا نجد مدى تناسق العنوان والغلاف مع القصة.
تنقسم الرواية إلى عشرين فصلًا تترابط سطورها وتجتمع داخل 133 صفحة، كل فصلٍ منها يحمل عنواناً شيقاً يشد حواس القارئ؛ مثل "ليلةُ النجوم"، "زبرجدٌ مخدوش"، "الدُّملج"، "سمُّ الفاوانيا"، "أنا ورجل الثلج"، "وروحان على حافة جسد"... كما تسير أحداث الرواية على رتمٍ كتابيٍّ متوازن، يتخللها بعض المعلومات التي كُتبت بطريقةٍ سلسةٍ يجد بها القارئ نفسه يقرأ عنها للمرة الأولى.
اعتمدت الكاتبة في لغتها على السرد الكافي الفصيح، والتشبيهات الجمالية لرسم صورةٍ واضحةٍ للمشهد والذي لا يفقد القارئ متعة استخدام مخيلته، والمتناسب كذلك مع الحوار البسيط الذي لا يسبب ملل القراء. أما عن تصميم الصفحات وترتيب السطور فلم يكن بتلك الروعة؛ فبعض الجمل التي تكون جماليتها في كتابتها كقطعةٍ واحدةٍ يتم تقسيمها إلى الصفحة التي تليها، وبالنسبة لنهاية الرواية فكان حدثاً ليس بالسعيد وليس كذلك بالحزين، بل من تلك النهايات المفتوحة التي تتيح للقارئ اختيار وداعية للشخصيات تناسب ذائقته.

"هل تعلمين ماذا يحدث بعد موت النجم؟"
"ماذا يحدث؟!"
"ينهارُ قلب النجم فيصبح ثقبًا أسود."


سحر علي النعيم، يمنية الجنسية من مواليد الرياض، خريجة بكالوريوس إعلام، قسم صحافة ونشر الكتروني، محررة قسم الحوار الثقافي في مجلة القلم الثقافية، صدر لها رواية "ليل غائم جزئيًّا"، ورواية "تنهيدة سماء"، وقصة قصيرة بـ عنوان "مملكة سردود" في كتاب "حدث في عوالم أخرى"، وقصة قصيرة بعنوان "قبعةُ الموت" في سلسلة كولاج، و3 قصص قصيرة جدًا في كتاب "عربية الهوى"، حازت قصتها القصيرة "على كف عفريت من القش" المركز الثاني في مسابقة الكاتب الذهبي عن مؤسسة روزاليوسف، نشر لها العديد من المواد الأدبية والصحفية في عدة مواقع الكترونية مختلفة.

سمر الحميد، 34 عاماً، معلمة عربي سابقاً، قارئة غارقة بين صفحات الكتب.

bottom of page