غرفة الأم
ليلى الجهني
مراجعة: عمر الجضعي
رواية قصيرة
78 صفحة
الطبعة الأولى 2024
دار أثر للنشر والتوزيع، المملكة العربية السعودية
تحكي البطلة "غادة" مأساة قديمة ومأساة حاضرة، فقدًا قديمًا جدده فقدٌ آخر. تطل على غرفة أمها وتخاطب نفسها، تحكي لذاتها ما حدث قديمًا وما حدث لاحقًا.
تقول في بداية حكايتها عن غرفة أمها حين دفعت الباب الموارب بأصابعها: "كانت الغرفة غارقة في العتمة الخفيفة التي تسبق غياب شمس نهار شتوي، وما أن ضغطت على زر الإضاءة حتى شعّت الثريا المعلقة في منتصف السقف الجبسي بضوء أصفر حزين، وللحظات بدا كل شيء في الغرفة لعينيكِ قديمًا وحائلًا." ثم تنقلت في الغرفة وهي تشم رائحة دهن الورد الذي هو عبق أمها، وترى طبقة الغبار الكثيفة التي علت أسطح الأثاث وإطار النافذة. تكوّن كل ذلك الغبار في أسبوعين فقط من فقدان أمها.
في غرفة الأم صارت تجيل بنظرها وتتذكر عالمًا بكل بهجته كان قائمًا في هذه الغرفة وقد انهار مرة وإلى الأبد.
كانت غادة الثانية في الترتيب بين أخوتها، بعد زياد وقبل عالية. وفي ضحى يوم بعيد، حدث ما حدث وصارت الكبرى. وجدت نفسها، عندما كانت مراهقة، وسط دوامة لوم بين أمها وأبيها؛ أمها تلوم أباها على موت زياد، وأبوها يلوم نفسه على السماح لابنه بالسفر مع أصدقائه بالسيارة.
تغيرت علاقة أمها وأبيها بالموت القديم، موت زياد وما تبعه من أسى وغضب. بعد أسابيع من فقده كانت الأم تثبت صورته على مرآة التسريحة والأب ينزعها كلما لمحها. قالت لنفسها عن ذلك: "لقد بدأتِ تدركين حينها كيف دفع موت زياد كل واحد من أبويك في اتجاه مختلف، وكيف بقيتِ أنت وعالية في منتصف المسافة بينهما، مراهقتان خائفتان وعاجزتان عن أن تردما الهوة التي انفتحت بغتة في دربكما." تحطمت قوة أبيها بموت زياد: "راقبتِ كيف ذوى جسده، وشابت عوارضه، وانطفأت عيناه، وابتلعه الصمت، وكف عن عادات كثيرة عرفتِه بها، وعرفتها عنه..."
هذه رواية عن الفقد واللوم، عن الأسى الكثيف والهجر، عن الميت وما بقي منه، وعن أبواب توصد.
سبعة فصول في هذه الرواية القصيرة، وزعتها الكاتبة ليلى الجهني بين ثلاثة تقسيمات زمنية توضح فيها تواريخ باليوم والشهر والعام؛ وهي كأنها تواريخ الأيام التي تستذكر فيها غادة ما حدث لأسرتهم، أو ربما لأيام تدوينها لهذه الحكاية التي خاطبت نفسها فيها. وفي رؤوس أغلب الفصول ذكر وقت متتالٍ؛ الساعة الخامسة والنصف مساء في أول فصل من يوم الاثنين 12 فبراير 2019م، ثم الفصل الذي يتلوه كان في الساعة السادسة والربع، والذي بعده في الساعة السابعة والنصف، ثم الثامنة والنصف. وفي تاريخ اليوم اللاحق، الثلاثاء، فصلان بوقتين في الصباح.
اختارت الكاتبة في سرد الحكاية أن تخاطب نفسها، فهي تشير بــ"أنتِ"، و"لكِ"، وبكل فعل يوجه إلى أنثى مفردة يحكى لها؛ ولكأن هذا الخيار الفني غايته تكثيف الحكاية وإغراق في الحسرة وتعمق في ذات البطلة التي تذكر نفسها بكل ما حدث وهي في غرفة أمها. بينما الفصل الأول فهو الفصل الوحيد الذي شذ سارده عن المخاطبة؛ سردت الجهني الفصل الأول براوٍ عليمٍ قريب من غادة؛ كأن الكاتبة أرادت أن تمهد لنا قبلما نغوص في أسى غادة وأهلها.
ليلى الجهني روائية وقاصة سعودية. فازت روايتها الأولى الفردوس اليباب بجائزة الشارقة للإبداع العربي في الدورة الأولى عام 1997