سقوط
عبدالكريم بن محمد النملة
في قلب الليل تشعر بتيبس عظامك. ترفع ساقك اليمنى ثمّ تطويها مراراً. تقوم مستنداً إلى الجدار، وقبل أن تهوي على الأرض تمدّ قدمك الأخرى كي توازن جسدك المهتزّ، تردد: " أنا حزين .. أنا حزين جداً في هذا الليل".
صوت ارتطام حبات المطر على النافذة يبعث في نفسك ألماً لا تستطيع تفسيره، وربما ذكرى مؤلمة. تسير بضع خطوات. تستند إلى الجدار وتبكي. تقترب من النافذة. صقيع الخارج يُرعد جسدك رغم سخونته وامتلائه بالشراب. المطر يهمي بشدّة على سقف سيارة شقيقك، السيارة متوقفة منذ أسبوع. تتذكّر فجأة شقيقك ومعاناته مع مرضه. تشعر بذنب نحوه، ربما لأنه سافر للعلاج وحيداً. تمتنّ له أن سمح لك بالسكن في بيته في الملحق الخارجي بعد أن طردك صاحب البناية التي كنت تسكن بها. الشراب يستبدّ بك. يطوّح رأسك فتسنده إلى النافذة. غرفة نوم شقيقك العلوية مضاءة، الثانية صباحاً، ترمق من بعيد شبح زوجته تتحرك بالقرب من النافذة. تشدّك حركاتها، تنتظر أن تزيح الستارة الشفّافة عن زجاج النافذة. المطر يهمي بشدة وغزارة. مدفأة الملحق تجعلك لا تشعر بالصقيع الخارجي، ومع ذلك بدأ جسدك يرتعد. تسير نحو مجلسك. تتناول زجاجة الشراب وتسكب بقيتها في فمك دون أن تمزجه بالماء، تشعر بحرقته ولذّته معاً. تعود إلى النافذة. تنتظر اقتراب شبح المرأة، وحين تراها واقفة بكامل جسدها الذي تُخفي معالمه تلك الستارة الشفّافة يحتدم صدرك وتتلاحق أنفاسك. يصنع خيالك بقيّة المشهد. تعود نحو مجلسك. تبحث عن بقيّة قطرات في الكأس، تسكبها في فمك. تتلفّع ببطانية تقيك زخّ المطر. تنسلّ من غرفة الملحق. باب مدخل الڤيلا مغلق. تعود إلى غرفة الملحق. تلمح بالقرب من باب الملحق رفًّا فيه معول بستان. تسير نحو مدخل الڤيلا، هناك تعالج قفل الباب بالمعول. تصعد الدرج وأنفك ينفث نفساً حاراً وقبل أن تبلغ الغرفة تقف قليلاً تتلفّت، الظلام يعمّ الصالة العلوية. تفتح باب الغرفة تجدها معتمة. تضيء النور. الغرفة مُغْبرة مهجورة..
عبدالكريم النملة يكتب القصة والرواية، متخرج من كلية اللغة العربية. صدرت له 4 روايات و13 مجموعة قصصية. مؤخرًا صدرت له مختارات قصصية (للزهور أمنيات). يمكن متابعة حسابه على منصة إكس @rhrh5576