top of page

كادرات
كادر المراهقة

تيسير النجار


المدينة وجمالها، مدرستي الثانوية كانت في المدينة، والخروج دون الأهل له مذاق آخر. أن تكون حرًّا في اختيار الأصدقاء، بعيدًا عن الجيران الذين لا تجد غيرهم. الزحام والمتسع، المدرسة واسعة جدًّا. الطلاب كثيرون. كل شيء يوجد بوفرة. أخذت مكاني سريعًا، أقدِّم الإذاعة المدرسية؛ اسمي صار معروفًا.
جرى اختياري طالبةً مثاليةً. لم أكن متفوقة جدًّا في دراستي؛ لكنَّ اجتيازي الاختبارات بيسر هو ما جعلهم يختاروني مثالية. بالإضافة إلى حضوري اللافت، تلك الجرأة التي أُحسَد عليها ولا أدري مَن منحني إياها وأنا ابنة النجع التي لم تبارحه. بداخلي شعور دائم أن هذا ليس مكاني.
ذات صباح أعدتُ الميكروفون إلى مكانه بعد الطابور. في يدي بعض الأوراق. ناداني مدحت، طالب معي، أخذني جانبًا:
أنتِ أخت فاضلة ومثال للطلبة.
شكرًا.
لكنْ ربنا له حق علينا.
المفروض نعمل إيه؟
نوزع دول، ساعديني؛ أنتِ لكِ معارف كتير.
كتيبات عن الله ورسوله وبر الوالدين والرقية الشرعية، وأخلاق المرأة المسلمة. أمسك الأخيرَ بيمينه وهمس:
ده لكِ.
شكرته، وصرت أوزع الكتب على أصدقائي وصديقاتي.
أحيانًا نصلي الظهر في مسجد المدرسة. خرجتُ منه مع صديقاتي، أضبط بدلتي وحجابي. وجدت مدحت غاضبًا، ابتسمتُ في وجهه. بادرني:
ما ينفعش الحال ده. أقول يمكن بكرة يمكن بعده، ما بتتغيريش.
فيه إيه؟
إيه البدلة دي؟ أنتِ مسلمة كده؟
ما لها؟
ضيقة، البسي عباية وحجاب كبير.
ذهبتُ إلى فصلي شاردة، لأول مرة يهتم أحد بأمري. هل ما دفعه حبه لله أو خوفه عليَّ؟
في الفصل الدراسي الثاني للمدرسة، ارتديت عباءة كحلية رسمتها للخياط، مُزيَّنةً بخط أبيض على الجانبين وعلى الأكمام، وحملت حقيبة يد بيضاء لها يد زرقاء رقيقة. نلتُ إعجابه، وتقربت من الله أسوة به. صار لي وردي من القرآن وأذكار المسلم. بدَّلت أنشودة غرباء التي عرفتها من خلاله بنغمة هاتفي.
تحدثتُ مع صديقتي عنه، غمزتْ بعينها مؤكدة أنه يبادلني الحب، لكنْ في نهاية اليوم استوقفتني فتاة:
لو سمحتِ، أنا باحب مدحت، ممكن تبعدي عنه.
نظراتها حادة خلف النقاب الكحلي، جعلتْني أرتبك، قلتُ بصوت خافت:
أنا ما قربتش منه أصلًا.
لو على الدعوة لله ممكن تكمليها معايا، احنا مرتبطين ببعض.
وكلامكم مش حرام!
احنا حنتجوز لما نخلص دراسة.
رن هاتفها، كان مدحت هو المتصل، بعدت عني ولكني سمعتها تقول:
وعليكم السلام يا مدحت يا حبيبي...
لعنتُ سذاجتي. عدتُ إلى حجابي القصير. أحببتُ مدرس الفيزياء، كان يشرح لي دروس الكيمياء لأنني أكره مُدرِّستي العجوز.
تخرجتُ في مدرستي بتقدير جيد جدًّا، برأس مكدس بمعلومات لن يحتاج إليها، وقائمة بها أرقام أصدقاء.


تيسير النجار هي كاتبة مصرية من أسوان، تكتب القصص والمقالات والروايات. لديها عدة مجموعات قصصية، منها: "كما لو كنت أحبك"، و"جئتك بالحب"، و"لا أسمع صوتي. كما نشرت رواية كأنك لم تكن عن دار خطوط وظلال للنشر والتوزيع عام 2021

© All Rights Reserved. Sard Adabi Publishing House 2025. جميع حقوق النسخ محفوظة لدار سرد أدبي للنشر©

bottom of page