top of page

لعبة جديدة

سميحة بشير


ابتكرت لعبة أنا وصديقاتي في الفصل، لم نكن نتجرأ على لعبها في وجود المعلمة، فقد كنا نستغل غيابها أو انشغالها خارج الفصل. كانت اللعبة هي أن نحتشد جميعنا ونتزاحم بغير انتظام أمام الباب من الداخل، ثم نصغي لرنين الجرس المعلن للإنصراف، مجرد أن يرن الجرس ندفع الباب بكل قوتنا التي استجمعناها قبل أن نقوم بعملية الدفع، فنخرج ركضاً كقطيع من الأغنام الفارة من حظيرتها بعد أن تسلل إليها الذئب. تعثرت كثيراً أثناء تلك اللعبة، ودعستني العديد من الأقدام، لكنني كنت أقف مجدداً وأكمل الجري بكل حماسة وأنا سعيدة، وقبل أن أدخل للمنزل، أقف جانباً لأنفض مريولي من الآثار الرمادية التي خلّفتها أحذية البنات؛ فقد لاحظتها أمي ذات مرة فقرصتني بشدة على خدي ودفعتني بعيداً.

استطعت في إحدى المرات التي نلعب فيها لعبتنا، أن أكون أول من يقف أمام الباب، كنا نعِد ذلك شرفاً وحظاً كبيراً، لأن التي تحظى بالمركز الأول في الوقوف أمام الباب ستنجو من الدعس والتعثر والتدافع.
بصراحة، لقد سمئت من كوني آخر من يقف في الحشد، أو في منتصفه، أو بالأصح سئمت من الدعس، لدرجة أن هناك فتاة دفعتني بقوة في إحدى الأيام فاصطدمَت جبهتي بجبهة فتاة أخرى، ومن شدة الصدمة وقفت متجمدة عدة ثوانٍ أرى المدرسة تدور حولي.
فاستطعت في ذلك اليوم أن أحظى بالمركز الأول باستغلالي لحظة انشغال البنات بترتيب أدواتهن المدرسية وإعادتها للحقيبة، في حين انتهيت أنا من ترتيب أغراضي مبكراً.
رن الجرس، ودفعت الباب بأقصى قوتي، وركضت بعيداً دون توقف، وبنفس السرعة، ولم أتوقف إلا عندما اقتربت من المنزل. ركعت للحظات وأنا ألهث، كان شعور متعب ومريح في آن واحد، أما شعوري بالتعب فقد كان نتيجة الركض المستمر دون توقف، أما الشعور المريح فقد كان… لا أعرف سببه، لكني متأكدة من أنني كنت أشعر براحة ولا أدري مصدرها.
وماهي إلا لحظات حتى أدركت أن حقيبتي المدرسية الثقيلة لم تكن خلف ظهري. ومن دون أن أضيِّع الوقت في التفكير، هرولت عائدة للمدرسة، وصعدت الدرج سريعاً، فصادفت إحدى المعلمات تنزل من نفس الدرج تقود طابورًا طويلًا ومنظمًا من الطالبات، فأوقتني لتسألني إلى أين سأصعد فلا يوجد أحد في الأعلى، فأجبتها بسرعة كأن ما حدث أمر طبيعي، ويمكن أن يحدث لأي أحد:
"نسيت شنطتي فوق."
فجأة مدَّت المعلمة يدها إلى وجهي وقرصت خدي الممتلئ (هذه مشكلة أصحاب الخدود). ثم ضغطت إبهامها عليه بقوة ودوّرته عدة مرات كما لو أنها تحاول فتح باب ما بالمفتاح الخطأ، ثم أنها لم تكتفِ بذلك فحسب، فصفعتني بكفها العملاق حتى ترجرجت خدودي، وزمجرت في وجهي:
"في أحد ينسى شنطته في المدرسة؟"
عج المكان بضحكات الطالبات، وسخريتهن مني، في حين عجزت أنا أن أتماسك، فخبأت وجهي بين يدَي وانفجرت في البكاء، وصعدت ركضاً للفصل لأحتفظ بما تبقى من كرامتي التي سحقتها تلك المرأة (لا تستحق لقب المعلمة)؛ لأنها بعد ذلك كله ظلت واقفة ويديها على خصرها، تبتسم متفاخرة لقدرتها على الإضحاك حتى لو استدعى ذلك إهانة الآخرين. في ذلك الموقف كان الفرق بينها وبين المهرج، هو أن المهرج لا يهين أحداً.

لم أنم تلك الليلة لكثرة تفكيري في اختلاق سبب وجيه يجعل أمي تقتنع به فتنقلني لمدرسة جديدة، فبعد ذلك الموقف لم تعُد لدي أدني جرأة أواجه بها أصابع اللمز وهي تشير علي في اليوم التالي، ثم يهزأون ويضحكون.


سميحة بشير كاتبة قصص قصيرة من مكة المكرمة، وكتابة محتوى إبداعي لعدة منصات، تقدم نصائح كتابية في إنستقرام samiha3439

bottom of page