top of page

قراءة في قصيدة الطوفان للشاعر قاسم حداد

أنوار الفرس


عنوان القصيدة (الطوفان) يعبّر عن ثورة يطمح إليها الشاعر للتخلص من الظلام والظلم، وفي هذا العنوان استدعاءٌ لحادثة دينية تتمثل في قصة سيدنا نوح عليه السلام؛ إذ كان الطوفان مخلِّصا للمؤمنين ومهلِكًا للكافرين.
تشكل مفردة القمر والطوفان محورًا في القصيدة، ليكون الطوفان هو الثورة والقمر هو الثائر، فالشاعر يبث شكواه إلى القمر لينتفض كالطوفان.
يستخدم الشاعر القمر كرمز للنور المنشود، وهو يتأوّه ويتحسر عليه (آه على القمر) دلالة على أنه فقد كثيرًا من مقومات القمر الطبيعي بجماله ونوره؛ فهو قمر (يشتاقه ليل البشر) لم يعد مضيئًا ولا يفضي إلى السكون بل لطخته يد القدر بالدماء فبات جريحًا كئيبًا.
من أهم المعالم التي فقدها القمر النور، حتى عبّر عن شوقه إلى النور بالجوع الذي يعطي الحياة؛ فهو أشد من الشوق، ومن المعالم الأخرى الثورة التي عبر عنها بصرخة الطوفان، ويستخدم هذه القصة وسيلة لتحرير القمر.
تغلب على القصيدة الأفعال المضارعة دلالة على شدة رغبة الشاعر في أن يعيش هذه المشاهد على أرض الواقع، وقد وصف الشاعر القمر بعدة صفات بجمل فعلية مضارعة (يشتاقه ليل البشر- يجتاحه التشريد- يضنيه القدر)، ثم ينسبه لنفسه (قمري) (المخضب بالدماء- يشتاقه قلب السماء)، هذه الصفات والأحوال تدل على أن القمر فقد صفاته الطبيعية والمعهودة، حتى اضطر الشاعر إلى أن ينسبه لنفسه استعطافًا له ليعود إلى طبيعته.
وتظهر الأفعال المضارعة في وصف الشاعر للأحوال المؤلمة في عصره (قدم تسوخ تسوخ في ليل الضجر- يغتالنا جوع رهيب- شوق يؤرقنا – بشر نسير بلا رؤوس) وغيرها.
واستعمل فعل الأمر في سياق استثارته للطوفان لأن يثور وينتفض من أجل أن يعود القمر (حطم جدار الموت – اغسل تراب الأرض واكتسح الحدود- واكسر حديد السجن).
ثم يستدعي الشاعر عهد عاد والماء والرياح اللذيْن كانا مصدر عذاب لهم، لكنه يرى أنهما يمنحان الحياة، وتظهر معها مفردة الانتظار، ويحدو بالشاعر الأمل في النور والهداية.
ويأتي الفعل الماضي في ختام القصيدة دالا على تحقق نبوءة الشاعر فيما تمناه وقد عبّر عن هذه النبوءة بالولادة الجديدة (جاء المخاض – جاءنا طوفان نوح).
كما أعلن الشاعر في ختام قصيدته أنّ الحقيقة لا تأتي إلا مع القمرالسجين، ثم يتحول إلى نوع من البشر يرمزون إلى القمر مستخدما أسلوب النداء (يا كل أقمار البشر – يا قوة الإنسان – يا موت القدر)، ويصفهم بأنهم (صناع المحبة والأمل) والثائرون على الملل، ويرى أن الحقيقة تحتاج إلى تنقيب وبحث وثورة حتى تظهر ويتحرر القمر معها.
إنّ عودة القمر عند الشاعر هي الثورة والطوفان، وهي الحقيقة المنتظَرة، وهي الولادة الجديدة.

أنوار الفرس حاصلة على ماجستير لغة عربية، ومصححة لغوية في جامعة الكويت. يمكن متابعة حسابها على تويتر linguistic_88@

  • Instagram
  • Facebook
  • Twitter
bottom of page