top of page

حينما كَفّت الشمس عن التبخير

أفنان المريشد


تقول صديقتي "م.غ": "الكتابة طريقة للحفاظ على الذاكرة".
وقبل أن أناقش مقولتها أود أن أذكر أنني اقتبست فكرة ترميز الاسم من كاتب لم يرحني كتابه؛ أحياناً لا تريحنا الكتب لأنها تكشف جوانب لا نود الوقوع في فخ اكتشافها، بسبب خوفنا أو أنها تعرينا أمامنا، وفي حالات تسبب لنا الحرج من وصف موقفٍ ما يخصنا أو يذكرنا بحيوانيّتنا، ولا أحد يحب أن يتحرك كثيراً في مكانه "مُحرجاً" بعد أن قرر الاسترخاء!
عبّر الكاتب "براء شلش" في روايته التي لم ترحني "منعطفات حادة" عن الأشخاص بطريقة الترميز الحرفي ووصف طبيعة السلوك الخاص في كل شخصية، فأنت تتعرف على الشخصية حينما يعود إليها مجدداً من خلال سلوك متلازم يقوم به لتتوقع "حرفه" توقعاً صحيحاً فتستدل عليه، ولسببٍ ما زلت أجهله، كشَفَ عن الأسماء في نهاية الرواية.
كل هذا الاستطراد لأوضح لماذا استخدمت الترميز الحرفي لذكر ما تقوله صديقتي..
عوداً لانطباعي عما كانت تقوله لي م.غ :) عن الكتابة كطريقة للحفاظ على الذاكرة: إن هاجس "الكاتب المرموق" الذي كان حلماً يراودني في مستهل شبابي لم يكن له طيف ولو "ذو ضبابية" في صغري، رغم أني كنت أكتب كثيراً وبلا خوف، بلا تمحيص وبسرعة وكثافة ما زلت أستغربها حتى الآن، ورغم أني لما أبدأ ماراثون القراءة في سنٍ مبكرة، ولم أربِّ "تفاحة دماغي" دودة لتأكل الكتب، إلا أني كنت أتصبب الكلمات حين تتوهج سمش المشاعر في كبدي.
لن أناقش هنا جودة ما كنتُ أكتبه، إلا أنه مغرقاً بالصور التشبيهية والتي لا أعلم حتى الآن من أين كنت أنهلها / ألتقطها دون إطار بيئي متنوع من حولي، ودون مخزون لغوي وفكري تغذّيه القراءة للآخرين!
وأعود لأقول بعد برهة من التأمل والتساؤل: هل يكون الإنسان بئراً وبِذراً وطَقساً مناسباً قابلاً للنَبت والإنتاج الصِرف بذاته! أي أنه بيئة خصبة متكاملة دون تغذية خارجية تزيد من وهج التشبيهات الصورية في كتاباته!
وهل ما يتغذى عليه هذا الإنسان من عقول الآخرين التي يأكلها قراءةً أو يتناقش معها وما تمطر عليه سماءهُ النّزقة من أفكار وتأملات هي ما ترقّي من حَرفه وتصقل الفكرة التي يريد مناقشتها أو طرحها أو الاعتراض عليها أو التعبير عنها!
شرّق بي الحديث - كالعادة - وغرّب ولم أعد لمناسبة عبارة صديقتي م.غ بشكلٍ أدق:
لقد كنتُ أشكوها تشتتي وغياب استرسالي الذي كان مني في الطفولة، وضعف ذاكرتي، وأنهم سبب في عدم استعادتي لطقسي النديّ، فأصبحت بئري طوَيّةً بلا ماء بالرغم من ثقل سحب المشاعر! لقد كفّ تكثّف أفكاري بشكلٍ كافي ليتصبب ودقاً على الورق! فلم تعد تُبخّرُ الشمسُ ما أشعره، وكأن م.غ تعني بقولها الكتابة طريقة لحفظ الذاكرة: أن النتيجة (الكتابة الغزيرة) هي في أصلها أداة وصول (للكتابة الغزيرة) والعكس حريٌّ به أن يكون صحيحًا.

أفنان المريشد هي كاتبة نصوص، وفنانة تشكيلية، تترجم العمل الفني لنص تكميلي
وتولّد من النص عملاً فنياً آخر، حسابها في الإنستجرام: @afnanfaleh تويتر: @chocofice

  • Instagram
  • Facebook
  • Twitter
bottom of page