top of page

نساء صغيرات

تأليف: لويزا ماي ألكوت
ترجمة: مها محمود صالح
معاينة: ندى الصاعدي


دار النشر: التنوير
عدد الأجزاء: جزآن
عدد الصفحات: 352 صفحة لكل جزء
سنة النشر: 2019 (الطبعة الثانية)

عزمت في هذا الشتاء على الدخول إلى حديقة الروايات الكلاسيكية، والاستراحة تحت ظلال صفحاتها الطويلة للاستمتاع بصحبة شخوصها المفعمة بالحياة، وقد كان لرواية نساء صغيرات للكاتبة لويزا ماي ألكوت بجزأيها نصيب الاختيار الأول من أدب المدفأة المصاحب لليالي الباردة.
تدور أحداث الرواية في فترة الحرب العالمية الثانية، والتي انعكست آثارها على الفتيات، وعانين من تبعاتها بفقد والدهن المشارك في الحرب، وانشغال والدتهن بالتطوع في المساعدات الطبية والإنسانية للضحايا المتضررين. تعيش الفتيات الأربعة في كنف أحلامهن التي تعلو بهن رغم مرارة الفقر، يغمرهن لطف والدتهن، ودفء رسائل والدهن التي تشد من أزرهن تجاه الحياة إلى حين عودته، يعينهن الشغف دومًا على استمرارية سعيهن بصبر وحب.
ميج الفتاة الكبرى والعطوفة على الجميع، المكافحة من أجلهم، الحالمة بقصر يبنيه الحب ويسكنه الزوج المخلص، تتزين فيه بفساتين الحرير المزينة بالدانتيل والمطرزة باللؤلؤ. مع ذلك "لقد صنعت ميج لنفسها ثوب الزفاف، فخاطت بأناملها الرقيقة آمالها وأحلامها البريئة التي صارت جزءًا من نسيجه."
چو الفتاة التي وجدت الكتابة وسيلتها الأولى للتعبير عن فوضى أفكارها، وحدّة مزاجها، وسخريتها المعتادة من اهتمامات الفتيات التي لا تجد فيها أي جدوى. بالرغم من ذلك كانت تتهرب منها أحيانًا بحجّة أن ليس لديها ما يمكن الكتابة عنه، أو أن لا أحد قد يهتم بقراءة ما تكتبه، لولا دعم الأم لها بأنها وأسرتها تهتم بما تكتبه: "اكتبي شيئًا لنا يا عزيزتي ولا تهتمي ببقية العالم. فقط حاولي. أنا على يقين في أن ذلك سيكون مفيدًا لك، وسيسعدنا للغاية."
أما إيمي الناقدة على بساطة حالها مما قادها إلى اتخاذ الفن التشكيلي دربًا لها للمشي باتجاه الحياة الراقية التي ترى نفسها تنتمي لها بعيدًا عن الفقر ورتق شقوق فساتينها في كل مرة تضطر إلى ذلك، لقد "كانت أسعد أوقاتها تلك التي تقضيها في نقل أشكال الزهور على الورق، أو إبداع تصميمات لجنيات الأساطير، أو رسم أشكال غرائبية في المساحات البيضاء من القصص المطبوعة. ويشكو مدرسوها في المدرسة أنها بدلًا من حل المسائل الحسابية فإنها تغطي لوح الكتابة الخاص بها برسوم مختلفة للحيوانات، وتستخدم الصفحات الخالية من الأطلس الجغرافي في نقل الخرائط".
بيث الرقيقة التي وجدت الألفة بصحبة عصافيرها، وخيوط التطريز المنسدلة بين أصابعها الصغيرة، والمتعة لنفسها ولعائلتها في عزف البيانو، فقد "أحبت بيث الموسيقى من أعماق قلبها، وبذلت مجهودًا ضخمًا كي تجيد العزف." يسميها والدها (الوادعة الصغيرة)؛ فهي "تبدو وكأنها تعيش في عالم سعيد خاص بها، لا تغامر بالخروج منه، إلا لكي ترى تلك القلة من البشر الذين تثق بهم وتبادلهم المحبة."
الأم التي اعتادت الفتيات على تسميتها (مارمي)، اتسع قلبها لهن، وعملت دومًا على دعم أحلامهن، ومواساة أحزانهن، وكبح جماح شغفهن نحو الحياة بتهذيب رغباتهن، وإتاحة المجال للخطأ الذي يعلمهن العودة خطوة إلى الوراء ومراجعة الذات للمضي قدمًا بخطى واثقة صحيحة.
الفتى لوري حفيد جده المدلل، والمنطوي على ذاته إلى أن يرافق جاراته (فتيات مارش) للخروج من إطار وحدته، وينعم بصحبتهن بالقرب والأنس خصوصًا (چو)، فهي فتاة تشترك مع الشباب في اهتماماتهم وقدرتهم على التعليم والعمل، وبحكم غياب والدها لقضاء مهمته الحربية، فقد وضعت نفسها في قالب رجل المنزل الذي يعمل ويشقى من أجل أسرته.
رواية نساء صغيرات عرضت لكل شخصية رؤاها وأحلامها، أحزانها وأفراحها، ومحاولاتها المستمرة في كسب الحياة إلى صفها، تقلبات الأحوال التي لم تكن في حسبان كل شخصية، لا سيما حين يكون الفقد حاضرًا في واقعهم، العاطفة مع استحضار الحكمة التي يمكن أن توجههم هي رفيقة أحداثهم، أما الحب الذي "بلا شك يجعل المرء يزداد جمالًا" فهو زائر جاء باحترامه مرة لقلب ميج وچون، ومرة جاء متخفيًّا لقلب لوري ثم انقلب وصار طائرًا يحلق عاليًا في سماء إيمي، وأما چو؛ فقد جاءها متطفلًا رغم محاولاتها في إغلاق باب قلبها، لكنّ الأستاذ باير الذي قطع مسافات طويلة من أجلها أقوى من كل رفض، وألطف من كل حزم أمام منع هذا الحب، تمكن منها وقادها إلى اكتشاف دروب أنوثتها الوردية.

ندى الصاعدي كاتبة مقالات صحفية ثقافية، متخصصة في الصحافة، تويتر @nada20as

bottom of page