top of page

في الحديث عن الكتاب الذي قرأناه معا

ابتهال أبو علي


يقول بيير بيارد في كتاب (كيف تتحدث عن كتاب لم تقرأه) الذي يختبر فيه المعاني المتعددة للقراءة، أن ما يستقر في داخلنا من الكتب التي قرأناها أو تصفحناها أو تقاطعنا معها، هو ما يبقى بعد أن يتعرض الكتاب لتأثير خبراتنا ومعارفنا وتجاربنا وقراءاتنا السابقة واللاحقة أيضا، وتصوراتنا المنفتحة على النص، وتخيلاتنا وأفكارنا، وكل ما يشكل انطباعاتنا وقدرتنا على التأثر بهذه الدرجة أو تلك بالكتاب. لذا فإن صورة الكتاب التي تستقر بداخلنا هي صورة شخصية جدا، في مكتبتنا الداخلية التي لا تشبه مكتبة شخص آخر بصورة مطلقة. ويقول إننا "في أغلب الأحيان، عندما نتناقش مع الآخرين عن الكتب، لا تدور نقاشاتنا إلا على مقاطع حولتها وبدلتها استيهاماتنا الشخصية، ونحن بالتالي نتحدث عن شيء آخر غير الكتب التي ألفها المؤلفون، وهؤلاء على أية حال لن يجدوا في الأغلب أنفسهم فيما يقوله القرّاء عن كتبهم."

وقد لا يكون هذا الاختلاف في صورة الكتاب الشخصية واضحا في حديث بين قارئين حول كتاب يتفقان على رؤاهما حوله، خاصة حينما تعلو الحماسة تجاه العثور على نقاط الالتقاء في الرؤية. لكنه يصبح أوضح كلما تطرفت الآراء حول كتاب في اتجاهين مختلفين كليا بين الإعجاب والنفور.

يبدو بحسب بيير أن لا قارئين يقرآن الكتاب نفسه. لكن المقاربة في الرؤية (أو محاولة الاقتراب) تجعل القراءة المشتركة والنقاش فرصة للذهاب أبعد في اكتشاف الإمكانيات التي تصنعها قراءة الكتاب. الذهاب أبعد لتلمس آفاق الفكرة، وفهمها من زوايا ومنظار يتجاوز نطاق المكتبة الداخلية الشخصية (أو ربما يوسّع نطاقها). والقراءة المشتركة بهذا المنظور هي أيضا فرصة لتعارف أقرب بين الأفراد، لاسيما الأصدقاء، عبر النظر في مكتبة الآخر الداخلية.

لا يحب القرّاء الكتب بالدرجة ذاتها، بالطريقة ذاتها، لكنهم في القراءة المشتركة، حتى عندما يفشل الكتاب في إثارة إعجابهم جميعا، تبقى أمامهم الفرصة لملاحظة ذلك التباين وذلك الاختلاف الذي يشكل صورا مختلفة للكتاب ذاته في كل قارئ. في وجود القدر الكافي من الاحترام لاختلاف وجهات النظر، والاهتمام بالفهم، قد لا يخرج القارئ خالي الوفاض بعد قراءة كتاب لم يعجبه ضمن مجموعة قراءة، فالنقاش الذي يثيره الكتاب هو بوابة لاكتشاف الصور المتعددة لكتاب واحد، والعوالم الداخلية للقرّاء، وهو بوابة معرفة وتقارب، وفهم لطبيعة عملية القراءة ذاتها. ربما بوسع كل كتاب تقرآنه معا أن يبدو كحرف جديد في فهم أبجدية الصديق.

من جهة أخرى، كلما تطرفت الآراء بين معجب معتدّ بالكتاب، وآخر كاره للكتاب مُنكر لجدوى قراءته، وغابت فكرة الأرضية المشتركة، وانعدمت محاولات الفهم عبر طرح الأسئلة، وغاب التواضع بالرأي، عنى هذا خسارة الفرصة التي تثيرها القراءة المشتركة، لفهم الآخر، قبل فهم الكتاب.

إن ما يلغي الفرص تماما في نقاش غني بعد قراءة مشتركة للكتاب، ليس ضآلة قدر الكتاب الذي لم يثر إعجابك، بل غياب الاهتمام بفهم إعجاب الآخر بالكتاب نفسه، غياب الاهتمام بالإطلالة على عالمه الداخلي من خلال حديثه عن هذا الكتاب الذي لم يعجبك، والذي، لو أدركت ما قاله بيير بيارد، فستفهم، أنه و إن كان له العنوان نفسه والنص نفسه، إلا أنه كتاب مختلف عن الكتاب الذي قرأت، إنه كتاب موجود فقط في المكتبة الداخلية لقارئه.

ابتهال أبو علي هي كاتبة بحرينية، صدر لها مجموعة قصصية بعنوان (ولد). يمكن الوصول لمدونتها على معرف انستغرام @ebtihals

© All Rights Reserved. Sard Adabi Publishing House 2025. جميع حقوق النسخ محفوظة لدار سرد أدبي للنشر©

bottom of page